فصل: باب الرهن وغيره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



والمانعون من الذرائع يجيبون بأنه مطلق لا عام فيحمل على بيعه من غير البائع أو على غير الصورة التي يمنعونها فإن المطلق يكتفي في العمل به بصورة واحدة وفي هذا الجواب نظر لأنا نفرق بين العمل بالمطلق فعلا كما إذا قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق فإنه يصدق بالدخول مرة واحدة وبين العمل بالمطلق حملا على المقيد فإنه يخرج اللفظ من الإطلاق إلى التقييد.
وفيه دليل على أن التفاضل في الصفات لا اعتبار به في تجويز الزيادة.
قوله: «ببيع آخر» يحتمل أن يريد به بمبيع آخر ويراد به التمر ويحتمل أن يراد بيع على صفة أخرى على معنى زيادة الباء كأنه قال: بعه بيعا آخر ويقوي الأول قوله: «ثم اشتر به».
4- عن أبي المنهال قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف؟ فكل واحد يقول: هذا خير مني وكلاهما يقول: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا».
في الحديث دليل على التواضع والاعتراف بحقوق الأكابر وهو نص في تحريم ربا النسيئة فيما ذكر فيه- وهو الذهب بالورق- لاجتماعهما في علة واحدة وهي النقدية وكذلك الأجناس الأربعة أعني البر وما ذكر معه باجتماعهما في علة واحدة أخرى فلا يباع بعضها ببعض نسيئة والواجب فيما يمنع النساء أمران:
أحدهما: التناجز في البيع أعني أن لا يكون مؤجلا.
والثاني: التقابض في المجلس وهو الذي يؤخذ من قوله: «يدا بيد».
5- عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة والذهب بالذهب إلا سواء بسواء وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا قال: فسأله رجل فقال: يدا بيد؟ فقال: هكذا سمعت».
قوله: «نشتري الذهب بالفضة كيف شئنا» يعني بالنسبة إلى الحلول والتأجيل وقد ورد ذلك مبينا في حديث آخر حيث قيل: «فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد».

.باب الرهن وغيره:

1- عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما ورهنه درعا من حديد».
اللفظة مأخوذة من الحبس والإقامة رهن بالمكان إذا أقام به.
والحديث دليل على جواز الرهن مع ما نطق به الكتاب العزيز ودليل على جواز معاملة الكفار وعدم اعتبار الفساد في معاملاتهم ووقع في غير هذه الرواية ما استدل به على جواز الرهن في الحصر.
وفيه دليل على جواز الشراء بالثمن المؤخر قبل قبضه لأن الرهن إنما يحتاج إليه حيث لا يتأتى الإقباض في الحال غالبا وقد يستدل به على جواز الشراء لمن لا يقدر على الثمن في وقته لما ذكرناه.
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مطل الغني ظلم فإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع».
فيه دليل على تحريم المطل بالحق ولا خلاف فيه مع القدرة بعد الطلب واختلفوا في مذهب الشافعي هل يجب الأداء مع القدرة من غير طلب صاحب الحق؟ وذكر فيه وجهان ولا ينبغي أن يؤخذ الوجوب من الحديث لأن لفظة المطل تشعر بتقديم الطلب فيكون مأخذ الوجوب دليلا آخر.
وقوله: «الغني» يخرج عن العاجز الأداء.
وقوله: «فإذا أتبع» مضموم الهمزة ساكن التاء مكسور الباء.
وقوله: «فليتبع» مفتوح الياء ساكن التاء مفتوح الباء الموحدة مأخوذ من قولنا: أتبعت فلانا: جعلته تابعا للغير والمراد هاهنا تبعيته في طلب الحق بالحوالة.
وقد قال الظاهرية بوجوب قبول الحوالة على المليء لظاهر الأمر وجمهور الفقهاء على أنه أمر ندب لما فيه من الإحسان إلى المحيل بتحصيل مقصوده من تحويل الحق عنه وترك تكليفه التحصيل بالطلب.
وفي الحديث إشعار بأن الأمر بقبول الحوالة على المليء معلل بكون مطل الغني ظلما ولعل السبب فيه أنه إذا تعين كونه ظلما والظاهر من حال المسلم الاحتراز عنه فيكون ذلك سببا للأمر بقبول الحوالة عليه لحصول المقصود منه من غير ضرر المطل ويحتمل أن يكون ذلك لأن المليء لا يتعذر استيفاء الحق منه عند الامتناع بل يأخذه الحكم قهرا ويوفيه ففي قبول الحوالة عليه: تحصيل الغرض من غير مفسدة تواء الحق والمعنى الأول أرجح لما فيه من بقاء معنى التعليل بكون المطل ظلما وعلى هذا المعنى الثاني تكون العلة عدم تواء الحق لا الظلم.
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره».
فيه مسائل:
الأولى: رجوع البائع إلى عين ماله عند تعذر الثمن بالفلس أو الموت فيه ثلاثة مذاهب:
الأول: أنه لا يرجع إليه في الموت الفلس وهذا مذهب الشافعي.
والثاني: أنه لا يرجع إليه لا في الموت ولا في الفلس وهو مذهب أبي حنيفة.
والثالث: يرجع إليه في الفلس دون الموت ويكون في الموت أسوة الغرماء وهو مذهب مالك.
وهذا الحديث دليل على الرجوع في الفلس ودلالته قوية جدا حتى قيل: إنه لا تأويل له وقال الاصطخري من أصحاب الشافعي لو قضى القاضي بخلافه نقض حكمه.
ورأيت في تأويله وجهين ضعفين:
أحدهما أن يحمل على الغضب والوديعة لما فيه من اعتبار حقيقة المالية وهو ضعيف جدا لأنه يبطل فائدة تعليل الحكم بالفلس.
الثاني: أن يحمل على ما قبل القبض وقد استضعف بقوله صلى الله عليه وسلم: «أدرك ماله أو وجد متاعه» فإن ذلك يقتضي إمكان العقد وذلك بعد خروج السلعة من يده.
المسألة الثانية: الذي يسبق إلى الفهم من الحديث أن الرجل المدرك هاهنا هو البائع وأن الحكم يتناول البيع لكن اللفظ أعم من أن يحمل على البائع فيمكن أن يدخل تحته ما إذا أقرض رجل مالا وأفلس المستقرض والمال باق فإن المقرض يرجع فيه وقد علله الفقهاء بالقياس على المبيع بعد التفريع على أنه يملك بالقبض وقيل في القياس: مملوك ببدل تعذر تحصيله فأشبه المبيع وإدراجه تحت اللفظ ممكن إذا اعتبرناه من حيث الوضع فلا حاجة إلى القياس فيه.
المسألة الثالثة: لابد في الحديث من إضمار أمور يحمل عليها وإن لم تذكر لفظا مثل: كون الثمن غير مقبوض ومثل: كون السلعة موجودة عند المشتري دون غيره ومثل: كون المال لا يفي بالديون احترازا عما إذا كان مساويا وقلنا: يحجر على المفلس في هذه الصورة.
المسألة الرابعة: إذا أجر دارا أو دابة فأفلس المستأجر قبل تسليم الأجرة ومضي المدة فللمؤجر الفسخ على الصحيح من مذهب الشافعي وإدراجه تحت لفظ الحديث متوقف على أن المنافع هل ينطلق عليها اسم المتاع أو المال؟ وانطلاق اسم المال عليها أقوى.
وقد علل منع الرجوع: بأن المنافع لا تتنزل منزلة الأعيان القائمة إذ ليس لها وجود مستقر فإذا ثبت انطلاق اسم المال أو المتاع عليها فقد اندرجت تحت اللفظ وإن نوزع في ذلك فالطريق أن يقال: إن اقتضى الحديث أن يكون أحق بالعين ومن لوازم ذلك: الرجوع في المنافع فيثبت بطريق اللازم لا بطريق الأصالة وإنما قلنا: إنه يتوقف عن كون اسم المنافع ينطلق عليها اسم المال أو المتاع لأن الحكم في اللفظ معلق بذلك في الأحاديث.
ونقول أيضا: الرجوع إنما هو في المنافع فإنها المعقود عليه والرجوع إنما يكون فيما يتناوله العقد والعين لم يتناولها عقد الإجارة.
المسألة الخامسة: إذا التزم في ذمته نقل متاع من مكان إلى مكان ثم أفلس والأجرة بيده.
قائمة: ثبت حق الفسخ والرجوع إلى الأجرة وإندراجه تحت الحديث ظاهر إن أخذنا باللفظ ولم تخصصه بالبائع فإن خص به فالحكم ثابت بالقياس لا بالحديث.
المسألة السادسة: قد يمكن أن يستدل بالحديث على أن الديون المؤجلة تحل بالحجر ووجه: أنه يندرج تحت كونه أدراك ماله فيكون أحق به ومن لوازم ذلك: أن يحل إذ لا مطالبة بالمؤجل قبل الحلول.
المسألة السابعة: يمكن أن يستدل به على أن الغرماء إذا قدموا البائع بالثمن لم يسقط حقه من الرجوع لاندراجه تحت اللفظ والفقهاء عللوه بالمنة.
المسألة الثامنة: قيل: إن هذا الخيار في الرجوع يستبد به البائع وقيل: لابد من الحاكم والحديث يقتضي ثبوت الأحقية بالمال وأما كيفية الأخذ: فهو غير متعرض له وقد يكن أن يستدل به على الاستبداد إلا أن فيه ما ذكرناه.
المسألة التاسعة: الحكم في الحديث معلق بالفلس ولا يتناول غيره ومن أثبت من الفقهاء الرجوع بامتناع المشتري من التسليم مع اليسار أو هربه أو امتناع الوارث من التسليم بعد موته- فإنما يثبته بالقياس على الفلس ومن يقول بالمفهوم في مثل هذا: فله أن ينفي هذا الحكم بدلالة المفهوم من لفظ الحديث.
المسألة العاشرة: شرط رجوع البائع: بقاء العين في ملك المفلس فلو هلكت لم يرجع لقوله عليه الصلاة والسلام: «فوجد متاعه أو أدرك ماله» فشرط في الأحقية: إدارك المال بعينه وبعد الهلاك: فات الشرط وهذا ظاهر في الهلاك الحسي والفقهاء نزلوا التصرفات الشرعية منزلة الهلاك الحسي كالبيع والهبة والعتق والوقف ولم ينقضوا هذه التصرفات بخلاف تصرفات المشتري في حق الشفيع بها فإذ تبين أنها كالهلكة شرعا: دخلت تحت اللفظ فإن البائع حينئذ لا يكون مدركا لماله.
واختلفوا فيما إذا وجد متاعه عند المشتري بعد أن خرج عنه ثم رجع إليه بغير عوض فقيل: يرجع فيه لأنه وجد ماله بعينه فيدخل تحت اللفظ وقيل: لا يرجع لأن هذا الملك متلقى من غيره لأنه لو تخللت حالة وصادفها الإفلاس والحجر لما رجع فيستصحب حكمها وهذا تصرف في اللفظ بالتخصيص بسبب معنى مفهوم منه وهو الرجوع إلى العين لتعذر العوض من تلك الجهة كما يفهم منه ما قدمنا ذكره أو تخصيص بالمعنى وإن سلم باقتضاء اللفظ له.
المسألة الحادية عشرة: إذا باع عبدين- مثلا- فتلف أحدهما ووجد الثاني بعينه رجع فيه عند الشافعي والمذهب: أنه يرج بحصته من الثمن ويضارب بحصة ثمن التلف وقيل: يرجع في الباقي بكل الثمن فأما رجوعه في الباقي فقد يندرج تحت قوله: «فوجد متاعه أو ماله» فإن الباقي متاعه أو ماله وأما كيفية الرجوع: فلا تعلق للفظ به.
المسألة الثانية عشرة: إذا تغير المبيع في صفته بحدوث عيب فأثبت الشافعي الرجوع إن شاءه البائع بغير شيء يأخذه وإن شاء ضارب بالثمن وهذا يمكن أن يدرج تحت اللفظ فإنه وجده بعينه والتغير حادث في الصفة لا في العين.
المسألة الثالثة عشرة: إطلاق الحديث يقتضي: الرجوع في العين وإن كان قد قبض بعض الثمن وللشافعي قول قدم: أنه لا يرجع في العين إذا قبض بعض الثمن لحديث ورد فيه.
المسألة الرابعة عشرة: الحديث يقتضي الرجوع في متاعه ومفهومه: أنه لا يرجع في غير متاعه فيتعلق بذلك الكلام في الزوائد المنفصلة فإنها تحدث ملك المشتري فليست بمتاع للبائع فلا رجوع له فيها.
المسألة الخامسة عشرة: لا يثبت الرجوع إلا إذا تقدم سبب لزوم الثمن على المفلس بصيغة الشروط فإن المشروط مع الشرط أو عقيبه ومن ضرورة ذلك: تقدم سبب اللزوم على الفلس.
4- جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جعل- وفي لفظ قضى- النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق: فلا شفعة.
استدل بالحديث على سقوط الشفعة للجار من وجهين:
أحدهما: المفهوم فإن قوله: «جعل الشفعة فيما لم يقسم» يقتضي: أن لا شفعة فيما قسم وقد ورد في بعض الروايات: «إنما الشفعة» وهو أقوى في الدلالة لاسيما إذا جعلنا إنما دالة على الحصر بالوضع دون المفهوم.
والوجه الثاني: قوله: «فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» وهذا اللفظ الثاني: يقتضي ترتيب الحكم على مجموع أمرين: وقوع الحدود وصرق الطرق وقد يقول قائل ممن يثبت الشفعة للجار: إن المرتب على أمرين لا يلزم ترتبه على أحدهما وتبقى دلالة المفهوم الأول مطلقة وهو قوله: «إنما الشفعة فيما لم يقسم» فمن قال بعدم ثبوت الشفعة: تمسك بها ومن خالفه: يحتاج إلى إضمار قيد آخر يقتضي اشتراط أمر زائد وهو صرف الطرق مثلا وهذا الحديث يستدل به ويجعل مفهومه مخالفة الحكم عند انتفاء الأمرين معا: وقوع الحدود وصرف الطرق.